الأربعاء، 8 مايو 2013

حكايات جدتي سكينة/ الحكاية الثالثة


الذكرى الثالثة:
قبيل صلاة المغرب دخلنا إلى مدافن الملوك، أو ما كان يدعى مقصورة المدفن.
وكان أوّل ما طالعنا في إيوان المقصورة سيوف ضخمة ورماح طويلة ودروع ثقيلة قالت لي جدتي هي سلاح جدودك في الحرب.
كان في مدخل المدفن جرّة ماء ضخمة جداً كتب على لوحة صغيرة معلقة على الجدار المجاور لها: ماء بارد سبيل!
وحدثتني جدتي أنّ تلك الجرة الكبيرة أثرية قديمة عمرها مئات السنين وهي تبرّد الماء جيداً.
وكان فوقها ثلاث طاسات من نحاس مطليّ لامع، يشرب بها من أراد ممن يدخل هذه الحجرة.
قالت: وماؤها يغيره جدي كلّ يوم بعد صلاة العشاء، يسقي به شجيرات الورد والياسمين الشامي الموجود هناك.
لفت نظري طول أحد الرماح؛ فقد كان أطول من بقية الرماح بأكثر من متر!
فسألت جدتي لماذا هذا الرمح أطول من البقية؟
قالت: هذا الرمح كان يستعمل في المبارزة، أما بقية الرماح؛ فهي أخفّ منه وتستخدم في أثناء التحام الجيشين بعضهما مع بعض.
كان قبر الملك المظفر الثاني هو الأول من جهة الباب الشمالي للمدفن، يله قبر ولده الملك المنصور الثاني، يليهما قبر الملكة مؤنسة خاتون أمّ المظفر.
وكان بجانب قبر المظفر نسخة من المصحف الشريف تعود إلى القرن السابع يعتقد أنها كُتبت للملك المظفر الثالث بخطوط رائعة وألوان متعددة ومذهبة.
كنت صغيراً عن أسئلة كبيرة ذات أهمية، لكن حين قالت لي: هذا قبر جدتك الملكة مؤنسة خاتون؛ سألتها: هل يجوز أن تكون المرأة ملكة؟
ألم يقل الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم: (لا يجوز أن تحكم المرأة الرجال، ولا أن تكون إمامة لهم في الصلاة).
فنهرتني قائلة: (الآية والحديث يحفظان جيّداً، ولا يجوز تحريف ألفاظهما).
أما في القرآن؛ فقد جاء أنّ الملكة بلقيس كانت ملكة على اليمن، ولم يعب القرآن الكريم ذلك، وذكرت لي الآية، لكنني لم أحفظها في ذلك الوقت؛ لأنها لم تُعدها على سمعي.
قالت: وأما الحديث، فلفظه: (ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) والله أعلم بصحة هذا الحديث! وأعادته عليّ ثلاث مرات، ثم أسمعتها إياه ثلاث مرات، فتيقنت أنني حفظته.
ثم قالت لي: (الملكة قد تكون مثل بلقيس وبوران بنت كسرى، تباشر الملك بنفسها فهذه الملكة هي التي عناها الحديث، أما الملكة الشرفية؛ فلا ينطبق عليها هذا الحديث).
قلت: ما معنى الملكة الشرفية؟
قالت: زوجة الملك تشريفاً لها ورَفعاً لشأنها يقال لها: الملكة، لكن هي لا تباشر الحكم بنفسها، وليس لها صلاحية الأمر والنهي.
كانت هذه هي المرة الأولى التي دخلت فيها مقصورة المدفن، ثم دخلت مرات كثيرة ما بين عام (1962) وعام (1974م) ولم يتيسر لي دخول المقصورة بعد ذلك؛ لسفري من سوريا.
كانت ستائر القبور تُغيّر في كلّ مدة، لكن لم يخطر لي السؤال عن تفاصيلها، بيد أنني أذكر أنّ أغطية القبر كانت مرة بيضاء، ومرة خضراء ومرة سوداء، وكانت توضع فوق خشب القبر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق